السبت، 3 يوليو 2010

القاضي شعيب.ومحاكمة العشاق

واحتشدت الجماهير واجتمع الناس من كل حدب وصوب في ساحة المدينة العظيمة ليشهدوا أعظم محاكمة في تاريخ تلك المدينة وليستمعوا إلى حكم أعدل القضاة عبر كل عصور المدينة..القاضـي شعيب.
وظل الناس يحكون تلك المحاكمة أيام وليال حتى أتى عليها الدهر وأصبحت من وحي الخيال لكنها واقع يحدث كل يوم.وفي كل ساعة وفي كل لحظة من لحظات الحياة..
وكانت المحاكمة كالأتي..

القاضي شعيب.: أيها الحراس وأيها الحاجب.فلينادي أحدكما على ذلك الشاكي.لنستمع إلى شكواه ولننظر فيها هل هي حق أم محض افتراء.
خالد: أنا هو أيها القاضي.جئت إليك من أبعد البلاد.استمع إلى شكواي واقض بحكمك كيفما ترى طالما أنت عادل ذو إحسان.
القاضي: هات شكواك
خالد: أيها القاضي إني أطلب القصاص ولا أريد غير القصاص
القاضي: قصاص..وأي قصاص تريد وممن ذلك القصاص.
خالد: إني أريد أن اقتص من امرأة.قتلت فلانا من بني الإنسان..
القاضي: قتل قد حدث في تلك البلاد..هيهات هيهات أن يهرب مني ذلك الجاني..أكمل ما تقول فكلي لما تقول مستمع وذو إصغاء.
خالد:إنها امرأة قد قتلت رجلا وهربت بفعلتها ولم تلك أي عقاب أو جزاء.
القاضي:من تلك المرأة ومن ذلك الرجل..أجبني فقد أصبحت في لهفة من أمري وذو اشتياق.
خالد: إنها هي سيدي القاضي.تلك المرأة التي أمامك.
القاضي:أيها الحراس.أحضروها.ثم كبلوها وقيدوها.فلا سبيل لها إلى الفرار.
أكمل.قد قيدناها وكبلنها بالأغلال.من ذلك الرجل الذي قتلته ثم هربت بالفعال.
خالد:إنه ذلك الرجل الواقف أمامك..الذي يقول ويبلغ الآن شكواه..إنه أنا سيدي القاضي.
القاضي:أتهزأ بي أيها الرجل..كيف قتلتك وأنت الآن حي أمامي..تتكلم وتدخل وتخرج منك الأنفاس.
خالد:عذرا سيدي القاضي.لم أكمل بعد شكواي.إني أرجوا منك السماع.
إن هذه المرأة قد قتلتني. قتلتني بأن أوقعتني في حبها..حتى أصبحت لها عاشق هائم..أفكر فيها في كل يوم وفي كل لحظة..
القاضي:أقد أوقعتك في حبها بالغواية والخداع.
خالد:كلا سيدي القاضي.إنما كان قتلها لي بأني قد وقعت في حبها.قتلتني بأني صرت لاسمها في كل لحظة أردد..قتلتني بأني تركت كل أشغالي وصرت بها متشاغل متعلق..قتلتني بأني لم أعد أفكر إلا بها..قتلتني بأنها........
القاضي مقاطعا: اصمت يا هذا. هذا كلام فراغ كله هراء..هذا منك جنون وقد علمنا أن الجنون ماله من داء..
خالد:أيها القاضي شعيب.مهلا علي..إني ألتمس الأعذار..فلعلك لم تحب يوما أو كان لك نصيب من العشق والوجدان..
القاضي: حسنا.هذا جوبي إليك..وهذا حكمي على تلك الشكاوي.
هي بريئة لا ذنب لها ..ولا إثم عليها ولا عليها عقاب أو جزاء..أيها الحراس.فلتطلقوا سراحها.وفكوا القيود والأغلال..
خالد:مهلا أيها الحراس..كيف تكون بريئة أيها القاضي..بل هي مذنبه وضوح الشمس في فلك السماء..
القاضي..:إن كانت مذنبه.فأين الدليل والبرهان..
خالد:حسنا هذا دليلي إليك وتلك حجتي وبرهاني.
حجتي أنها تملك أجمل عينين رأيتهما في حياتي..لا يوجد ما هو أجمل منهما ولهما من التأثير علي ما هو أقوى من السحر.سحرتني بهما بقصد أو من دون قصد لا أدري..لكني قد سحرت في البداية والنهاية..
القاضي: ماذا تقول يا هذا.عافاك الله..عينيها سوداء كالفحم وكسواد الليالي..
خالد:بل عيناها حينما أنظر إليهما زرقاوان وذو اخضرار.جعلتني بهما كأني لها عبد مملوك..
قال القاضي :أكمل.

خالد : أليست هي أجمل المخلوقات.وأحلى الكائنات..وألطف النساء..لا أرى في النساء إلا هي.أتعلم لماذا أيها القاضي؟ لأنها عندي هي كل النساء..ولآن الله لم يخلق غيرها من النساء.
لم يخلق الله إلا هي وأمنا حواء..ألا تعلم أنها كانت عبلة في قديم الزمان..وأنها كانت ليلي وكانت سبب جنون قيس ذلك العاشق الولهان..ومنها استوحى شكسبير كل كتاباته..أنظر إليها أيها القاضي..ألا ترى أنها تتجلى مثل بدر التمام..ألا ترى أنها أجمل من الشمس في ضحاها.ألا ترى أنها أوضأ من القمر..ألا ترى أنها هي بعينها الجمال..ما رأيت أجمل منها يوما ولا حتى لها ذات شبه.وأنا سيدي المولود في مدينة النساء.وعشت بين النساء كل حياتي.ورأيت من كل النساء كل الأشكال والألوان.تالله إنها هي أجمل النساء.ما أقول فيها لا استطيع الوصف.أرأيت ابتسامتها وضحكتها.تجعلني أموت خجلا وحياء.وأنا الذي ما استحيت يوما قط في حياتي.حين أنظر إليها تراني كأنني من ابتدع الحياء.
أن تكون من البشر ذلك من المحال.إنما هي ملك قد نزل من السماء.ما أقول سيدي القاضي. قد نفد مني الكلام.
القاضي وقد انهمر في البكاء: أكمل أيها الشاكي.
خالد: ما كنت أظن يوما أني سأحب ولكنها بدلت حياتي وكل كياني ووجداني..جعلتني لا أدري شيئا في تلك الحياة..جعلتني لا أرى إلا هي.لا أسمع إلا صوتها.لا أتكلم إلا عنها..كأني حياتي قد صارت متشبثة بها..كأن حياتي صارت رهينة بها.
ذاك سيدي القاضي الدليل والبرهان..قد قتلتني لكنها لم تحييني يوما بعدها.
القاضي.:قد ارتضينا بحجتك ولكن اخبرني لماذا تريد القصاص؟
خالد:أريد القصاص سيدي لأني أحبها لكنها لا تحبني..حينما اخبرها بحبي.لا ترد على قولي لها.لا أشعر أنها تحبني مثلما أحبها.هذا سبب عذابي وكل حزني.هذا سبب بكائي في كل لحظة..هذا سبب ضيقي وتمنى أن أكون ميت.هذا سبب شكواي التي أنا الآن بصددها.
القاضي:قد اقتنعنا بحجتك وبدليلك وقولك.وهاأنذا أصدر حكمي لك. هي الآن مذنبه.والحكم عليها.أنها تموت بأي سبيل كما أماتتك.أيها الحراس.خذوها ونفذوا فيها حكمي.قد قضيت عليها بالموت وسينفذ الآن حكمي بها..
خالد وقد أطلق صرخة مدوية..:كلااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
أيها القاضي ماذا ستفعل بها..أعيدوها أيها الحراس سليمة متعافية..
القاضي:لقد أذهبت عقلي ومسني منك الجنون.ألست من فعلت كل هذا وقلت كل ما قلت.من أجل أن أقتص لك.
خالد:نعم.قد فعلت وقلت ما قلت..لكني الآن لا أدري ما بي.إنها مهما فعلت فهي حبيبتي..أفديها بكل حياتي وروحي..هي حبيبتي ومولاتي.وروحي ونفسي و كل شئ في حياتي.وأنا بكل ما أملك لها فداء..
قال القاضي:هذا حكم قد أصدرناه.لا رجعة فيه ولا تبديل.أيها الحراس.نفذوا حكمي في الحال.
خالد:كلا سيدي.بل الصبر والتمهل لا التسرع والعجل. ألا من حل أو أي شئ.
القاضي:بلى.ليس هناك إلا حل واحد.
خالد:أخبرني به في الحال.أخبرني أرح بالي وكياني.
القاضي:ليس هناك إلا أن يموت أحد مكانها.هذا أو تموت هي
خالد:أنا. أنا.أموت بدلا منها.أنا أنا الفداء لها..
القاضي.أيها الحرس.أطلقوا سراحها.وخذوه وكبلوه وقيدوه.ونفذوا حكمي في الحال.هيا فإني على عجل..
هي : أيها القاضي شعيب.هلا تمهلت لحظة.قد تكلمتم كثيرا وأنا لم أنطق حتى بحرف ولا بكلمة.أليس من حقي الدفاع عن نفسي..
القاضي:حسنا تكلمي..وقولي ما بدا لكي.
هي :حسنا سيدي.لقد ظلمني خالد.وظلمني أشد ظلم رأيته..لست قاتلة كما زعم.بل قلبي يحبه حبا.إنه سيدي لم يستطع أن يفرق بين خجلي وشعوري.فقلبي يحبه حبا لم يعتقد أنه سيحبه لأي أحد.ولكني سيدي كنت خجولة من أن أبوح له بتلك المشاعر.لقد كان أحمقا سيدي أنه لم يستطع أن يفرق بين خجلي من كلامه الجميل وشعوره الرائع تجاهي.وبين قلبي وإحساسي وشعوري تجاهه..ولكن سيدي أريد أن أخبره بتلك الكلمات وأن أسمع جوابه.
هي: ألا تعلم يا خالد أني أحبك..ولكني يا خالد.كما ترى أمامك .أشبه بعمياء لا ترى.نظري يضعف كل يوم.حتى أكاد أكون عمياء لا أرى
خالد: كيف تقولي هذا وأنا نورك الذي سترين به.سوف أمسك يديكي إلى ألابد.أهديكي الطريق وأكون لكي الدليل.لا أمل أبدا ولا أتعب...
هي : حسنا خالد.ولكني مريضة بكافة الأدواء..قد تنتهي حياتي في أي وقت وفي أي لحظ وتنكتم أنفاسي.
خالد:بل الموت بيد الله وحده لا شريك للرحمن..أنا فداكي يا عمري ويا حياتي..كل عضو في جسدي أعطيه لكي ليكون لكي فداء..موتي اجعله لكي مقابل أن تظلي في الحياة..لا تيأسي.سأجلب لكي في كل لحظة كافة الاطباء..ستشفي بإذن الرب.وتكوني أصح الأصحاء.ولكن كوني معي أرجوكي..
هي:قالت وهي تبكي.إني أستحق الموت بكل الأشكال والألوان..كيف لم أحس بك من قبل..ولم أكن لك مخلصة في الحب والوفاء.
خالد: بل أنا الأحمق إلى الأبد..لآني لم أشعر بكي منذ البداية ولم أشعر بكي إلا في النهاية..
كوني معي.سنكون أسعد إثنان.كوني معي سنكون في أفضل حال..حياتي مقترنة بكي.حياتي هي حياتك..كوني معي ولا تتركيني لحظة..
دعيني أمسك يديكي..دعيني أمسك يديكي. دعيني أمسكها أرجوكي
سننطلق الآن من هنا ونسافر إلى أي مكان..مكان لا يرانا فيه أحد من الناس..نظل فيه معا..حتى انتهاء الحياة...ندفن فيه معا..ونبعث كذلك معا...وكل ما أرجوه.أن نكون معا في الجنان..لا أريد حورا عين إن أنا دخلتها..فأنت الحور العين لي في كل دنيا وفي كل زمان..
هي:لا أجد كلاما فوق الكلام يقال..أبكي الآن من شدة حبي لك..اعذرني حبيبي..أنت حبيبي وروحي وحياتي كلها..هيا ننطلق معا..
القاضي شعيب...أيها القوم..اشهدوا علي..هذا حكمي.قد قضيت بالعفو عنهما والصفح والسماح...اذهبوا هيا فلتعيشوا حياتكم..ولتحبوا بعضكم من الآن ولا تضيعوا لحظة.أيها الحراس أعطوهم ما بدا لهم من الأموال والكنوز.ولهم من القصور ما طاب لهم وأرادوا..وانقلوهم إلى حيث شاءوا..حياكم الله أيها العاشقين..حياكم الله أيها العشاق..
هنا صاح الناس..حيا الله سيدي القاضي...حيا الله هؤلاء العشاق..وحملوهم على الأعناق والأكتاف..وصاحوا كثيرا..حيا الله القاضي شعيب..وحيا الله هؤلاء العشاق..
وهنا صاح القاضي..أيها الناس..إني قد علمت كل شئ في أمور العشق والهيام..هاأنذا أعلن من تلك اللحظة.أن هؤلاء هم ملوك الحب.إلى سالف العصر والأوان..
......................................................................................................

محمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد المنشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق